عناصر
الموضوع :
1. نص حديث أبي
هريرة مع الشيطان وشرح ألفاظه
2. مواقف
متفرقة للصحابة مع الجن
3. فوائد من قصة
أبي هريرة مع الشيطان
4. أسباب فضل آية
الكرسي
5. وسائل التوقي من الشيطان
6. الأسئلة
7. قصة أبي هريرة والشيطان
الشيطان هو ذلك العدو الملازم للإنسان، مختص بغوايته
وإضلاله، ولكنه رغم عدائه وكذبه صدق مع أبي هريرة في نصيحته له بقراءة آية الكرسي،
فمن قرأها فلا يزال عليه من الله حافظ. وقد وضح الشيخ في هذه المادة أسباب فضل آية
الكرسي، والوسائل التي تعين على الحذر من الشيطان، وقبل هذا وذاك ذكر فوائد قصة أبي
هريرة والشيطان، والتي تربو على عشرين فائدة، بعد أن صدر المادة بذكر نص الحديث
وبعض مواقف الصحابة مع الجن.
نص حديث أبي هريرة مع الشيطان وشرح
ألفاظه:
الحمد لله رب
العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعــد:
فلقاؤنا في هذه الليلة وقصتنا -أيها الإخوة- مع أبي هريرة رضي الله تعالى عنه،
لنلتقي معه في هذه القصة العظيمة التي رواها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في
صحيحه : عن أبي هريرة قال: (وَكَّلَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة
رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعليَّ عيالٌ ولي حاجةٌ شديدة، قال: فخليت عنه،
فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك
البارحة؟ قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدة وعيالاً فرحمته فخليت
سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيعود. فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت:
لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيالٌ ولن
أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدةً
وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود.
فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فهذه ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود، قال: دعني وسوف أعلمك كلماتٍ
ينفعك الله بها، قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي – {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم }
[البقرة:255]- حتى تختم الآية، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطانٌ
حتى تصبح؛ فخليت سبيله. فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلماتٍ
ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: وما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ
آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: - {اللَّهُ لا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} [البقرة:255]- وقال لي: لن يزال عليك من
الله حافظ ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح -وكانوا أحرص شيءٍ على الخير- فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، أتعلم من تخاطب منذ
ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة ؟ قال: لا. قال: ذاك
الشيطان). هذا الحديث أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب: الوكالة، باب:
إذا وكل الموكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل فهو جائز، ورواه رحمه الله
كذلك في كتاب: فضائل القرآن من صحيحه . هذا الحديث في شرحه: أن النبي صلى الله عليه
وسلم وكَّل أبا هريرة بحفظ زكاة رمضان، والمقصود زكاة الفطر ليفرقها النبي صلى الله
عليه وسلم على الفقراء، وفي رواية: أن أبا هريرة كان على تمر الصدقة، فوجد أثر كفٍ
كأنه قد أخذ منه. - وقوله: (من الطعام) المراد بالطعام: البر ونحوه مما يزكى به،
وهذا دليل على أن صدقة الفطر تخرج من الطعام، فقد جمعها النبي عليه الصلاة والسلام
من الطعام ووكَّل بحفظها أبا هريرة . - وفي الحديث قوله: (لأرفعنك) أي: لأذهبن بك
أشكوك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: ليقطع يدك لأنك سارق. - وقوله: (إني
محتاج وعلي عيال) أي: فقير في نفسي، (وعليَّ عيال) أي: أظهر حاجة أخرى وهي وجود
عيال له، ثم قال مؤكداً حاجته: (ولي حاجةٌ شديدة) أي: زائدة، وشديدة: صعبة كدينٍ أو
جوعٍ مهلك.. ونحو ذلك، فهذا تأكيد بعد تأكيد، يقول: (إني محتاج وعليَّ عيال ولي
حاجةٌ شديدة). - وقوله: (إني محتاج وعلي عيال) وفي رواية: (إنما أخذته لأهل بيتٍ
فقراء من الجن). - وقوله: (فرصدته) أي: ترقبت مجيئه؛ لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: إنه سيأتي. - وقوله: (إنه سيعود) هذا تأكيد من الصحابي رضي الله عنه؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك. - وقوله في آخر الحديث: (لن يزال عليك من
الله حافظ) أي: لن يزال من عند الله أو أمر الله حافظٌ عليك من قدرته سبحانه أو من
الملائكة، لا يقربك شيطان لا إنسي ولا جنيٌ، لا أمر ديني ولا دنيوي. - وقول النبي
صلى الله عليه وسلم: (صدقك -أي: في تعليمه لك- وهو كذوب) أي: في سائر أقواله؛ لأن
هذه عادة الشيطان. هذا الحديث يبين حلقة من حلقات الصراع بين المسلم
والشيطان.
مواقف
متفرقة للصحابة مع الجن:
لقد
حصل لعددٍ من الصحابة مواقف مثل موقف أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فمن هذه
المواقف:
1- أن أبا أيوب الأنصاري حدَّث
أنه كانت له عكة فيها تمر، وكانت تجيء الغيلان من الجن -ومنه قول الصحابي: [إذا
تغولت الغيلان فعليكم بالأذان] إذا تراءت الغيلان أمامكم وظهرت فعليكم بالأذان؛ لأن
الأذان يطردها- وتأخذ منه، وفي الرواية: أنها علمته آية الكرسي، وأنه لا يقربه
شيطان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صدقك وهو
كذوب).
2- كذلك قصة أبي بن كعب
رضي الله تعالى عنه: أن أباه كعباً أخبره أنه كان له جرين فيه تمر -والجرين: هو
البيدر الذي يجمع فيه الطعام- وكان يتعاهده، وكلما جاء يتعاهد هذا البيدر وجده قد
نقص، فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابةٍ كهيئة الغلام المحتلم، قال: فسلم فرد السلام،
فقال: ما أنت جنٌ أم إنس؟ قال: جنٌ، فقلت: ناولني يدك، فإذا هي يد كلب وعليها شعر
كلب، فقلت أهذا خلق الجن؟ قال: لقد علمت الجن أن فيهم من هو أشد مني، فقلت: ما
يحملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك تحب الصدقة فأحببت أن أصيب من طعامك. فقلت: ما
الذي يحرزنا منكم؟ قال: هذه الآية -آية الكرسي- فتركته ثم غديت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأخبرته قال: صدق الخبيث. رواه ابن حبان في صحيحه .
3- وحدثت كذلك حادثة أخرى رواها عبد الله بن مسعود قال:
لقي رجلٌ من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي،
فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً كأن ذريعتيك ذريعتا كلب -تصغير ذراع-
فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت من بينهم كذلك؟ قال: لا والله. إني منهم لضليع. يقول
الإنسي: أنا أراك ضئيلاًً -أي: دقيق الجسم- شخيتاً -أي: مهزولاً- فهل أنتم الجن
هكذا أم أنك أنت ضعيف من بينهم؟ قال: لا والله إني من بينهم لضليع- أي: جيد
الأضلاع، ولكن عاودني الثانية فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك، قال: نعم. فصارعه
فصرعه قال: تقرأ: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم [البقرة:255]
فإنك لا تقرأها في بيتٍ إلا خرج منه الشيطان له خبجٌ -أي: ريحٌ- كخبج الحمار، ثم لا
يدخله حتى يصبح. وهذه الروايات في بعض أسانيدها ضعف، لكن ثبت أن عمر رضي الله عنه
صارع جنياً فصرعه، وهذا من قوة عمر رضي الله عنه، وعاوده فصارعه
فصرعه.
4- وجاء في بعض الروايات كذلك: أن
أبا هريرة رضي الله عنه عندما كان يحرس تمر الصدقة اشتكى لما رأى ذلك الرجل يأخذ
منه، قال: فأخذته فالتفت يدي على وسطه فقلت: يا عدو الله! وثبت إلى تمر الصدقة
فأخذته وكانوا أحق به منك، لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفضحك، وفي
رواية قال: ما أدخلك بيتي تأكل التمر؟ قال: أنا شيخ كبير فقير ذو عيال، وما أتيتك
إلا من حاجة، ولو أصبت شيئاً دونك ما أتيتك، ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بُعث
صاحبكم، فلما نزلت عليه آيتان تفرقنا منها، فإن خليت سبيلي علمتكهما، قلت: نعم.
قال: آية الكرسي، وآخر سورة البقرة من قوله: آمَنَ الرَّسُولُ .. [البقرة:285] إلى
آخرها. هذه بعض الروايات التي جاءت في حديث معاذ رضي الله عنه أيضاً، لكن قصة أبي
هريرة رضي الله عنه مع الشيطان أثبت القصص كما هي في صحيح البخاري
.
فوائد من قصة
أبي هريرة مع الشيطان:
هذه
القصة يؤخذ منها فوائد كثيرة ومتعددة، فمن هذه الفوائد:
أولاً: أن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المؤمن.
ثانياً: أن الحكمة قد يعلمها الفاجر
ولكنه لا ينتفع بها؛ لأنه لا يعمل بها، وربما تأخذ علماً من رجل فاجر، والعلم هذا
نافع؛ ولكن الفاجر لا ينتفع به لفجوره.
ثالثاً: أن الشخص قد يعلم الشيء ولا يعمل به، وهذا كثير
حاصل، وكثيرٌ من الناس عندهم معلومات كثيرة لكن لا يعملون بها، لو كانوا يعملون
بالمعلومات التي عندهم لتغيرت أحوالهم؛ لكنها معلومات بدون عمل، ومعلومات بدون عمل
لا تنفع، ولو كنا نعمل بعشر ما نعلم لتغيرت أحوالنا كثيراً.
رابعاً: أن الشيطان قد يَصْدُق أو يُصَدِّق ببعض ما يصدق
به المؤمن، ومع ذلك لا يكون مؤمناً، هذا الشيطان يقول: إن هذه الآيات تحفظك من
الشياطين، هو صدق بهذا لكن هذا التصديق لا يعني أنه مؤمن.
خامساً: أن الكذاب قد يصدق، فبعض الكذابين يمكن أن
يَصدقوا في بعض الأحيان مع أنهم كذابون، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال في
الشيطان: (صدقك وهو كذوب).
سادساً: أن
العادة والغالب على الشيطان الكذب، وأنه نادراً ما يصدق. وكذوب صيغة مبالغة من
قوله: (صدقك وهو كذوب).
سابعاً: أن
الشيطان قد يتصور بصورةٍ يمكن للإنسي أن يراه من خلالها؛ لأن الله يقول في كتابه:
{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا
تَرَوْنَهُمْ } [الأعراف:27]، الشيطان يراكم وأنتم لا ترونه { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ } [الأعراف:27] هو ومن
على شاكلته من الشياطين يرونكم وأنتم لا ترونهم، فإذا كان الله يقول: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] فكيف رآه أبو هريرة؟
وكيف رآه الصحابة الآخرون؟ فنقول: عندما تصور بصورة أخرى غير الصورة الأصلية، أي:
أنه لو كان هو على شكله الأصلي الحقيقي فلا يمكن أن نراه {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا
تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] لكن إذا تشكل بصورة كلب أو حية أو على صورة هذا
الكائن المهزول كأن ذراعيه ذراعي كلب، فحينها يمكن أن نراه؛ لأنه تشكل بصورة أخرى،
فنراه بهذه الصورة التي تشكل عليها، لكن الصورة الأصلية التي خلقه الله عليها لا
يمكن أن نراه وهو عليها { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ
مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27].
ثامناً: أن الشخص الذي يقام على حفظ الأشياء يسمى وكيلاً،
فمن يوكل بحفظ الصدقة فهو وكيل.
تاسعاً:
أن الجن يأكلون من طعام الإنس، قال الله عز وجل: { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ
وَالْأَوْلادِ } [الإسراء:64] والطعام يدخل في الأموال، فإذا أردت أن تمنع
الشيطان من مشاركتك في الطعام فقل: باسم الله، وإذا دخلت منزلك فقل: باسم الله فإنه
لا يدخل معك، وإذا قدم الطعام فقلت: باسم الله فإن الشيطان يقول: لا مبيت لكم ولا
عشاء، فإذاً تستطيع أن تحرم الشيطان من مشاركتك في الطعام عندما تسمي الله عليه.
وكذلك إذا كان إناء فيه طعام غطه، وقل: باسم الله، فإن من فائدة تغطيته وقول: باسم
الله منع الشيطان من الأكل منه، وإن الشيطان يأكل ويشرب من الإناء المفتوح، ولذلك
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولو أن تعرض عليه عوداً وتسمي الله) فلو وضعت
عوداً دون الغطاء، وقلت: باسم الله، فلا يستطيع الشيطان أن يأكل أو يشرب منه. وكذلك
يفيد في منع نزول الداء من السماء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها داء كما أخبر النبي
عليه الصلاة والسلام، وهذا شيء غيبي، فإذا غطيت الإناء فلا ينزل الداء، فإذاً فائدة
تغطية الإناء، وقول: باسم الله ما يلي:
أولاً: منع الداء.
ثانياً: منع الشيطان من أن يشاركك في مطعومك
ومشروبك.
ثالثاً: أن باسم الله تمنع
الشيطان من النظر إليك. فإذا قال إنسان: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ {وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ } [الأعراف:27] فإننا
نريد أن نخلع ثيابنا، وأن ندخل للاغتسال، وأن يأتي الرجل أهله فما هو الحل؟ وهل
نبقى نحن نهباً لأعين الجن يرون عوراتنا؟ فنقول: لا. فإن النبي صلى الله عليه وسلم
أخبر بأن الرجل إذا أراد أن يخلع ثيابه فسمى الله، فإن الشيطان لا يستطيع أن ينظر
إلى عورته، وهذا حفظ للعورة، وإذا خلع الثياب قال: باسم الله، وإذا أتى أهله قال:
باسم الله. وكذلك باسم الله تمنع من المشاركة في الأولاد؛ فإنه ورد في تفسير قوله
تعالى: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ}
[الإسراء:64]: أن الشيطان يشارك الإنسان في وطء زوجته، فيشاركه في الأولاد، فإذا
قلت: باسم الله قبل الجماع منعت الشيطان مشاركتك في الأولاد. فباسم الله تمنعه من
دخول بيتك، ومن طعامك، وشرابك، ومن رؤية عورتك، ومشاركتك زوجتك، ومن هذا يتبين لنا
أهمية هذه الكلمة.
عاشراً: أن الشياطين
قد يتكلمون باللغة العربية، وقد تسمعه أيضاً باللغة التي عليها هذا الرجل، قد يتكلم
باللغة الإنجليزية أو الفارسية. حدثوا أن أبا علقمة النحوي -وكان رجلاً متقعراً في
الكلام يأتي بالكلام الوحشي- كان ذات مرةٍ يمشي في الطريق، فأصابه شيء فسقط، فتجمع
عليه أهل السوق، هذا يعصر إبهامه، وذاك يقرأ في أذنه، وذلك يؤذن في الأذن الأخرى،
فقال: مالكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنة افرنقعوا عني. فقالوا: شيطانه يرطن
بالفارسية أو بالهندية. فقوله: (تكأكأتم علي) أي: تجمعتم علي كتجمعكم على ذي جنة،
أي: كتجمعكم على من دخل فيه الجني، (افرنقعوا عني) أي: انفضوا واذهبوا عني، فقالوا:
هذا شيطانه يتكلم بالهندية أو بالفارسية. إذاً يمكن للشيطان أن يتكلم باللغات الحية
المعروفة، ولا شك أنهم يعلمون أن منهم من يتكلم العربية، ومنهم من يتكلم غيرها،
وفيهم أهواء وبدع؛ عندهم قدرية ورافضة ومرجئة ومبتدعة، ومشركون، وضُلاَّل {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً} [الجن:11] حتى
البدع موجودة عند الجن.
حادي عشر: في هذا
الحديث أن الشياطين يسرقون ويخدعون، ما هو وجه السرقة هنا؟ لما جعل يحثو من الطعام
ويأخذ منه بكفيه، وفي الرواية الأخرى: أنه كان يأخذ فينقص الطعام، ويخدعون لما قال
له: لا أعود ثم عاد وقال له: لا أعود ثم عاد، هذا خداع.
ثاني عشر: فضل آية الكرسي، ومن الروايات الأخرى يؤخذ فضل
آخر سورة البقرة.
ثالث عشر: أن الجن
يصيبون من الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه.
رابع عشر: أن يد السارق لا تقطع في المجاعة، ويمكن أن
يقال: إن المسروق لم يبلغ نصابه.
خامس
عشر: قبول العذر والستر على من يظن به الصدق، فإذا جاء أحد ظهر لك منه الصدق،
وأمسكت به وهو يسرق شيئاً من عندك، وعندما حققت معه شكا الحاجة والفقر والعيال ولا
يظهر منه خلاف ذلك، فالذي يظهر منه -فعلاً- الفقر والشدة والمسكنة، فالأفضل لك أن
تعذره بما فعل، ولا تأخذه بما اقترف، من باب قبول العذر والستر على من يظن به
الصدق، وأبو هريرة رضي الله عنه في المرة الأولى هكذا كان حاله، فقد ظن به أنه
محتاج فعلاً، وأنه أهلٌ للرأفة والرحمة فتركه.
سادس عشر: اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على المغيبات؛
لأن أبا هريرة لما جاء النبي عليه الصلاة والسلام لم يقص عليه القصة، بل النبي عليه
الصلاة والسلام هو الذي قال له: (ما فعل أسيرك البارحة؟)
فما الذي أدرى النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان هناك أسير مع أن أبا هريرة لم
يخبره؟ جاء أبو هريرة النبي عليه الصلاة والسلام وبادأه بالقول: (ما فعل أسيرك البارحة؟) فإذاً النبي عليه الصلاة والسلام يطلعه
الله على شيء من الغيب.
سابع عشر: جواز
جمع زكاة الفطر قبل ليلة الفطر لتفريقها بعد ذلك، وأنه يجزئ إخراجها قبل العيد،
وكما قال العلماء: يجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيومٍ أو يومين، وكان يقوم
العامل في عهد الصحابة الموكل من بيت المال من الخليفة بأخذ الزكاة قبل العيد بيوم
أو يومين، وإذا كان الشهر ثلاثين فثلاث ليال، ولو كان تسعة وعشرين فقبلها بيوم أو
يومين، يوم وتسعة وعشرين.
ثامن عشر: أن
زكاة الفطر تخرج طعاماً كما تقدم ذكره.
تاسع عشر: يقين الصحابة بكلام النبي عليه الصلاة والسلام
وتصديقهم به، عندما قال أبو هريرة : (فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم: إنه سيعود) لمجرد أن الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيعود أيقن أبو
هريرة أنه سيعود. عشرون: فضل قراءة آية الكرسي قبل النوم؛ لأن الشيطان قال: إذا
أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم } [البقرة:255] فإذاً متى تقرأ بناءً على تعليمات
الشيطان الرجيم؟ إذا أويت إلى فراشك، ليس لأنها وصية الشيطان بل لأن النبي صلى الله
عليه وسلم أقر ذلك، وإلا فالشيطان لا سمع له ولا طاعة، فلم يصبح تشريعاً بكلام
الشيطان بل صار تشريعاً لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صدقك )، وهذه الفائدة التالية. حادي وعشرون: لما قال: ( صدقك )، هو التشريع وليس كلام الشيطان. ثاني وعشرون: أن آية
الكرسي تمنع شياطين الإنس والجن في ظاهر النص -سواء كان في الأمور الدينية- من أن
يقترب من الإنسان؛ لأنه يقول: ولا يقربنك شيطان، وكلمة (شيطان) نكرة (ولا يقربنك) نفي، فلا
يقربك شيطانٌ حتى تصبح. ثالث وعشرون: كرامة الله تعالى لـأبي هريرة عندما استطاع أن
يلقي القبض على الشيطان، وليس آحاد الناس يستطيعون القبض على الشيطان، لكن أبا
هريرة استطاع أن يلقي القبض عليه، فما استطاع الشيطان أن يفر منه، فلذلك قال:
(فرحمته فخليت سبيله) وإلا لو لم يخل سبيله لما استطاع الشيطان أن يهرب
منه.
أسباب فضل آية الكرسي:
إن قال قائل: ما هي الميزة الموجودة في آية الكرسي حتى
تمنع الشياطين من إيذائنا؟
فالجواب: إن
هذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله تعالى، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك
الصحابي، وأن هذه الآية إذا قرأها رجل في دبر كل صلاة -أي: بعد كل صلاة- لم يمنعه
من دخول الجنة إلا أن يموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
الذي رواه النسائي رحمه الله وغيره، فآية الكرسي إذاً تقرأ قبل النوم وكذلك في
أدبار الصلوات، وهي أفضل آية في كتاب الله عز وجل. ومن أسباب فضلها:
1- اشتمالها على الاسم الأعظم: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم}
[البقرة:255] في البقرة، وفي آل عمران { الم * اللَّهُ لا إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [آل عمران:1-2]، وفي طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ
الْقَيُّومِ } [طه:111]. 2- وكذلك
فإن هذه الآية هي عشر جمل مستقلة:
أ-
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [البقرة:255] متفرد
بالألوهية.
ب- {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] الحي في نفسه الذي لا يموت
أبداً، والقيوم هو القائم بنفسه المقيم لغيره {أَفَمَنْ هُوَ
قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد:33] .. {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ
بِأَمْرِهِ} [الروم:25] فكل الموجودات لا قوام لها إلا بالله عز وجل، ولا
غنى لها عن الله عز وجل أبداً، فكل الموجودات مفتقرة إلى الله.
جـ- {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا
نَوْمٌ } [البقرة:255] لا تعتريه سبحانه وتعالى غفلة ولا ذهول، ولا نعاس،
ولا نوم: أي: استغراق في النوم وغياب عن الوعي أبداً.
د- { لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا
فِي الأَرْضِ} [البقرة:255] الجميع عبيده وتحت قهره وملكه: { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي
الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93].
هـ- { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ
عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [البقرة:255] لا يتجاسر أحد أن يشفع لأحد عند
الله إلا إذا أذن الله، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لكي يشفع لا بد أن يستأذن،
وإذا أراد يوم القيامة أن يستأذن يأتي تحت العرش ويخر ساجداً، فيدعه الله ما شاء أن
يدعه، ويعلمه من المحامد ويفتح عليه من الثناء أشياء لم يُعلمها أحداً فيعلمه
إياها، وبعد ما يقولها ينتظر الناس النتيجة، ويسجد من تحت العرش ما شاء الله أن
يسجد من الوقت، بعد ذلك يقول: (يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط،
واشفع تشفع) فهذا سيد الخلق لا يمكن أن يشفع إلا إذا أذن الله.
و- { يَعْلَمُ مَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } [البقرة:255] إحاطته سبحانه وتعالى
بجميع الكائنات، وإحاطته بالحاضر والماضي والمستقبل، والجن من الغيب، والله سبحانه
وتعالى يحيط بهم ويعلمهم { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَمَا خَلْفَهُمْ } [البقرة:255].
ز- { وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ
عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ } [البقرة:255] فلا يطلع أحد على شيء من علم
الله إلا من أطلعهم الله، ولولا أنه أطلعهم ما اطلعوا ولا عرفوا.
ح- {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ} [البقرة:255] الكرسي: موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، والعرش لا
يقدر قدره إلا الله، الكرسي عظيم جداً وفي غاية الاتساع وَسِعَ كُرْسِيُّهُ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] هذا الكرسي كيف العرش؟ { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ } [البقرة:255] لو
أن السماوات السبع والأرضين السبع بسطت ووصل بعضها ببعض ما كانت في الكرسي إلا مثل
الحلقة في صحراء من الأرض، والسماوات السبع والأرضين لو بسطت ووصل بعضها ببعض فإن
مساحتها بالنسبة للكرسي مثل الحلقة التي ألقيت في صحراء من الأرض، هذا الكرسي الذي
هو موضع قدمي الرب فكيف العرش العظيم؟ (ما الكرسي في العرش إلا
كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاةٍ في الأرض) . الآن نسبة كل السماوات
السبع والأرضين إلى الكرسي مثل حلقة في صحراء، والكرسي نسبته إلى العرش -أيضاً- مثل
حلقة في صحراء، والله أكبر من العرش، وهذا يعطيك معنى عظيماً عندما تقول: الله أكبر
من كل شيء، السماوات والأرض تضيع في الكرسي، والكرسي يضيع في العرش، والله أكبر من
الكرسي ومن العرش ومن السماوات ومن الأرض، استوى على العرش استواءً يليق بجلاله
وعظمته، فعندما نقول: الله سبحانه وتعالى عظيم كبير، فهو شيءٌ لا يوصف أبداً، ولا
يمكن أن يتخيله المتخيلون ولا يصفه الواصفون. نحن -الآن- في الأبعاد الفلكية هذه
عقولنا تضيع ولا نستطيع جمع مسافات هذه السنوات الضوئية، وهذه كلها لا شيء بالنسبة
لله سبحانه وتعالى، وبالنسبة للعرش والكرسي، ولذلك فإن الله عز وجل من عظمته أنه
خلق هذه الأشياء العظيمة وهي لا تقارن به سبحانه.
ط- { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا } [البقرة:255] لا يثقله، ولا يكرثه،
ولا يعجزه، ولا يتعبه، ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض ومن فيهن، فهو سهل يسير
عليه سبحانه وتعالى. أنت كم تستطيع أن ترعى من ولد في نفس الوقت؟ المرأة كم تستطيع
أن ترعى من الولد في البيت في نفس الوقت؟ تحافظ عليهم؟ إذا زادوا عن عدد معين هذا
يسقط، وهذا يجرح، وهذا يصطدم بجدار، وهذا يضرب، وهذا وهذا، لا تستطيع السيطرة
عليهم، فالله سبحانه وتعالى لا يئوده حفظ كل من السماوات والأرض وما فيهما من الإنس
والجن والملائكة وجميع العوالم، وهذا شيء يسير على الله سبحانه وتعالى.
ي- { وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة:255] آخر جملة في الآية هي قوله: { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] كقوله تعالى:
الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد:9]. فهذه تبين لنا بجلاء عظم قدرة الله عز وجل،
وأنه سبحانه قائم على جميع الأشياء التي منها الجن، وأنه لا يخرج شيءٌ منها عن
ملكه، فالتحصن بهذه الآية التي معناه: أنك تلتجئ إلى الله، وتعتصم به وبقدرته
وبحفظه وكلاءته ورعايته فيقيك من شر الشيطان، فإنك في الحقيقة إذا قرأتها بهذه
النية فأنت تلتجئ إلى من لا ينام ولا يغفو ولا يسهو، وأن له ما في السماوات وما في
الأرض، وأن الجن هؤلاء والشياطين لا يخرجون عن ملكه ولا عن قدرته، وأنه يعلم حركات
الجن والشياطين، ولا يئوده حفظهما وما فيهما { وَهُوَ الْعَلِيُّ
الْعَظِيمُ } [البقرة:255] فأنت في الحقيقة تعتصم بالله بقدرته وبعظمته،
فلذلك ينجيك هذا الاعتصام ويحفظك بالتأكيد إذا كنت بالله مؤمناً وعليه متوكلاً ولا
بد من هذا، والمسألة مسألة يقين وتوكل.
وسائل التوقي من الشيطان:
إذا قال قائل: ما هي الوسائل التي نستطيع أن نحذر بها من
الشيطان؟
فالجواب:
الوسائل كثيرة، فمن ذلك:
1- الحذر، والحيطة -أخذ التأهب- والاعتصام والالتزام
بالكتاب والسنة.
2- الالتجاء إلى الله
والاحتماء به سبحانه وتعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ
هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}
[المؤمنون:96-98].
3- الاستعاذة عند
دخول الخلاء، وعند الغضب، وعند الجماع: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب
الشيطان ما رزقتنا). عند الغضب: (أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم). وعند دخول الخلاء: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).. (إذا
نهق الحمار تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم -لماذا؟- لأنه
رأى شيطاناً). عند قراءة القرآن تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى أولادك
وأهلك تعوذهم، وكان الحسن والحسين يعوذهما النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)
والهامة: مفرد الهوام، وهو كل من يهم بسوء.
4- الاشتغال بذكر الله تعالى مما يحمي العبد من الشيطان،
وعلى رأس الذكر القرآن، وعلى رأس القرآن آية الكرسي. والأذكار كثيرة، وآية الكرسي
واحدة من هذه الأذكار، وإذا لازم الإنسان الصالحين فإن في ذلك حفظاً له من الشيطان؛
لأن الذئب يأكل من الغنم القاصية، فالذي يتفرد عن جماعة المسلمين فإن الشيطان يتسلط
عليه، (الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد) ولذلك إذا
كان الإنسان مع القوم الصالحين فإنه يحمي نفسه من الشيطان.. الشيطان يأكل بشماله
وأنت تأكل بيمينك.. الشيطان يشرب بشماله وأنت تشرب بيمينك.. الشيطان يعطي بشماله
وأنت تعطي بيمينك.. الشيطان يأخذ بشماله وأنت تأخذ بيمينك، حتى اللقمة إذا وقعت منك
لا تدعها للشيطان، وإذا علمت أن العجلة من الشيطان كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم: (العجلة من الشيطان) فلا تستعجل بل تتأنى، التثاؤب
مدخل للشيطان فعليك أن تسد الطريق عليه وتضع يدك عند التثاؤب على فمك، الاستغفار
-مثلاً- يقطع الطريق على الشيطان فعليك أن تلزمه ... وهكذا. فهناك وسائل كثيرة تنجي
العبد من الشيطان، فينبغي الالتزام بها، والمحافظة عليها، وهذا ذكر بعض ما تضمنه
حديث أبي هريرة من الفوائد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الأسئلة:
حكم من كان على الطريقة
الصوفية:
السؤال: هل
جميع من هم على الطريقة الصوفية مبتدعون، لأنني أعرف شخصاً على الطريقة الصوفية
يقوم بدروس في الفقه وكتب العلم من كتب أهل السنة والجماعة ، ويتكلم في عظمة الله
وتقوى الله، ويأتي بالدليل من القرآن والسنة، ويزور تاركي الصلاة، ويذهب إلى الخارج
للدعوة؟
الجواب:
كلمة الصوفية قيل: هي نسبة
إلى الصوف؛ لأنهم كانوا يلبسون الصوف تزهداً، وقيل: نسبة إلى الصفاء، فتىً تصافى
فصوفي حتى سمي صوفي ، وقيل: غير ذلك. هذه الطائفة نشأت في البداية كردة فعل لما
أصاب الناس في عهد بني أمية من الترف، وجاءت الفتوحات والأموال والغنى، واشتغل
الناس بالأطعمة وتشييد القصور والبساتين، وانغمس الناس في الدنيا، وبدأت تخرج بعض
ردود الفعل العكسية التي فيها عزوف تام مقابل ذلك الترف، فإذاً مبدأها كان تزهداً،
وعزوفاً عن النعيم، فلا يلبسون الناعم بل يلبسون الصوف، ويعيشون على الأشياء
البسيطة، ولا يشتغلون، ولا يأكلون الأطعمة الفاخرة؛ بل يعيشون على العدس والأطعمة
البسيطة، ثم بعد ذلك تطور الأمر شيئاً فشيئاً، ودخل أعداء الدين في باب الصوفية
دخولاً كبيراً، ومبدأ الصوفية مماثل لمبدأ الرهبان {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ }
[الحديد:27]. هكذا كان بعض الصوفية ، ونشأت صلة خطيرة جداً بين التصوف والتشيع،
وصار هناك بعد ذلك كيان فيه انحرافات عظيمة جداً، وأيضاً اليهود كان لهم آثار على
الطرق الصوفية التي نشأت. فإذاً هناك ارتباط وثيق جداً بين الباطنية والصوفية، فرق
الباطنية والصوفية ، وهذا ما حكاه علماء المسلمين، وهم الآن يحاولون تمجيد الحلاج،
وتؤلف فيه بعض الرسائل في بعض الجامعات في الخارج، وهو من أكفر الكفار الموجودين
على ظهر الأرض؛ لأنه واحد ممن يقولون: كل ما ترى بعينك فهو الله، ويعتقد أن الإنسان
جزء من الله، وأنه الجدار، ويقولون:
وما الكلب والخنزير إلاإلهنا ***
وما الله إلا راهب فيكنيستهتعالى الله عن قولهم علواً
كبيراً، فهم يذكرون أشياء شنيعة جداً تطورت لها الأمور بعد ذلك. والصوفية بين
البدعة وبين الكفر الأكبر، إما أن تكون أحياناً مسابح مائة أو تسعمائة أو ألف
مسبحة، أو أذكار الصمدية، والصلاة النهارية، ويذكرون -مثلاً- أذكاراً معينة لم ترد
في الكتاب والسنة، ويعتقدون في الأولياء والأوتاد والأقطاب والغوث الأعظم، وكل
طريقة تمجد صاحبها؛ فـالرفاعية يمجدون الرفاعي ، والقادرية يمجدون عبد القادر
الجيلاني ، والمرسية يمجدون المرسي ابن عباس ، والبدوية يمجدون البدوي ويقولون:
ولي، وأنه كان على جدار فبال على الناس وهم ذاهبون إلى المسجد فهموا به، فقال: أنا
رجل مالكي والناس يغتابونني وبول كل ما أكل لحمه طاهر -لأن الغيبة أكل لحم أخيك-
وبولي كبول ما أكل لحمه فهو طاهر!!! انظر كيف الاعوجاج؟! ويحجون إلى القبور ويطوفون
بها ويستغيثون، وعندهم قضية المولد والتوسل الشركي بالنبي صلى الله عليه وسلم،
والتوسل بالأموات، وإذا أردت أن تقرأ دواوين الصوفية تجد فيها الأشعار العجيبة في
الشرك:
فإن من جودك
الدنيا وضرتها***
ومن
علومك علم اللوح والقلمإن لم تكن في معادي آخذاً بيدي***
فضلاً وإلا فقل يا زلة
القدميتوسلون بالنبي عليه الصلاة
والسلام، ويستغيثون به، إني دعوتك من أين دعوتك يقول: من برع.. من يمن دعوتك يا
رسول الله! وأغثني يا رسول الله! وانصرني يا رسول الله! وإذا لم تكن معي يا رسول
الله في الآخرة فمن معي، وأنا إلى من أشكو إلا إليك يا رسول الله! وأين الله عز
وجل؟ أجعلتم له بدلاً؟! {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } [الأعراف:194] نسيتم الله وذهبتم إلى الخلق
تسألون هذا وتطلبون من هذا، وهم أموات لا يسمعون: {إِنَّكَ لا
تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [النمل:80] .. { وَمَا أَنْتَ
بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] ويسألون الأموات، ويكتبون
الإلحاد في الأوراق ويضعونها في القبر، ويأخذون الإجابات والبركات، والمرأة التي لا
تحمل تتمسح بالصخرة الفلانية فهذا شغلهم، ترى في الهند رجل قذر وسخ لا يغتسل مطلقاً
رائحته قذرة يتمدد على سرير موضوع خارج كهف وأمامه الناس في صف طويل جداً وهو ماد
رجله، كلما جاء أحد يمسح ويمشي، والذي بعده يمسح هذه الرجل ويمشي هكذا، يزعمون أنهم
يلتمسون البركات. جاءوا إلى الخضر قالوا: هذا هو الولي، كل من التشريعات الآن من
الخضر، والخضر عنده العلم اللدني، والصوفية لا يوجد عندهم سند حدثنا فلان عن فلان؛
لأن وليهم يقول: حدثني قلبي عن ربي، ويقولون عن أسانيدنا: إنها ميت عن ميت،
وأسانيدهم: عن الحي الذي لا يموت، حدثني قلبي عن ربي وكأنها برقية، الخط الساخن
مفتوح نتلقى عن الله مباشرة. وعندهم عقيدة الخرقة، وهي أن الخرقة أعطاها الشيخ
للشيخ فلان بعد وفاة الشيخ فلان، وهذا الشيخ هذا بايع الخضر. وهذا أحمد التيجاني
ليلة سبع وعشرين من رمضان عند غار حراء يجتمع بالأقطاب المسئولين عن إدارة العالم،
ويوزعون الأرزاق على الخلق في تلك السنة، هذا الغوث الأعظم وهذا القطب الأكبر، وهذا
فلان بن فلان، هؤلاء مسئولون عن إدارة العالم، الله سبحانه وتعالى لا ينشغل بهذه
الأشياء الصغيرة فأوكلها إلى الأقطاب والأوتاد، فهؤلاء يصرفون العالم، ولذلك نحن
ندعوهم ونقول: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى
[الزمر:3] نحن ذنوبنا كثيرة، ولا يجوز لنا أن ندخل إلى الله مباشرة، فلابد من واسطة
حتى يقبل الله منا، فواسطتنا الجيلاني والبدوي والمرسي ، ثم كل ولي له
تخصص.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.